البرقية الحمراء : كوكب واحد فقط
أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) تقريراً جديداً بعنوان ”التصالح مع الطبيعة“، يوضح فيه ”خطورة حالات الطوارئ البيئية الثلاثة التي تواجهها الأرض: وهي أزمات المناخ والتنوع البيولوجي والتلوث“. ويشير التقرير إلى أن ”هذه الأزمات الكوكبية الثلاث ذاتية التأثير” تعرض “رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية لخطر غير مقبول”. وقد أعدت هذه البرقية الحمراء في إطار اليوم العالمي للبيئة (الموافق لـ 5 مايو/ أيار) وبشراكة مع الأسبوع العالمي لمناهضة الإمبريالية.
ما هو حجم الدمار؟
تتعرض النظم الإيكولوجية للتدمير بمعدل خطير، وقد أورد تقرير سنة 2019 للمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات للتنوع البيولوجي وخدمات النظم الايكولوجية (IPBES) أمثلة مفزعة عن حجم الدمار:
- يهدد الانقراض مليون نوع من أصل ثمانية ملايين نوع من النباتات والحيوانات.
- أدت الأعمال البشرية إلى انقراض 680 نوع على الأقل من الفقاريات منذ سنة 1500، وانخفضت أعداد أنواع الفقاريات بنسبة 68% خلال الخمسين سنة الأخيرة.
- تراجعت وفرة الحشرات البرية بـ 50%.
- انقرض سنة 2016 ما يفوق 9% من إجمالي سلالات الثديات المدجنة التي تستعمل في التغذية والفلاحة، وتوجد اليوم ألف سلالة مهددة بالإنقراض.
تتعرض النظم الإيكولوجية للتدمير بوتيرة أسرع في ظل النظام الرأسمالي الذي يكثف التلوث وطرح النفايات ويقضي على الغابات ويستغل الأراضي بشكل مغاير لطبيعتها، بالإضافة الى أنه يستعمل النظم الطاقية المعتمدة على الكربون الطبيعي. وعلى سبيل المثال، يشير تقرير سنة 2020 للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ((IPCC، المعنون بـ ”تغير المناخ والأرض“، إلى أنه لم تبقى سوى 15% فقط من الأراضي الرطبة المعروفة، وقد تعرض معظمها للتدمير بشكل لا يمكن إصلاحه. ويوثق برنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة 2020 أنه في الفترة من 2014 إلى 2017، عانت الشعاب المرجانية من أطول وأخطر عملية تبييض. ويتوقع أن تنخفض أعداد الشعاب المرجانية بشكل كبير مع ارتفاع الحرارة، وإذا ارتفع الاحتباس الحراري الى 1.5 درجة C، لن تتمكن سوى 10 إلى 30 في المائة من الشعاب من البقاء، أما إذا ارتفع الاحتباس الحراري إلى 2 درجة C، لن يتبقى إلا أقل من 1 في المائة من الشعاب.
واذا ما استمر الوضع بالشكل الحالي، يتوقع أن يصبح المحيط المتجمد الشمالي خالياً من الجليد بحلول عام 2035، الشيء الذي سيحدث خللاً في النظام الإيكولوجي للقطب الشمالي وفي دوران تيارات المحيط مما قد يؤدي إلى تغيير في المناخ والطقس على الصعيد العالمي والجهوي. وقد أثارت هذه التغييرات في الغطاء الجليدي للقطب الشمالي سباقاً بين القوى العظمى للسيطرة العسكرية على المنطقة والتحكم في موارد الطاقة والمعادن الثمينة الشيء الذي فتح الباب أمام تدمير أكثر للبيئة. وفي ورقة صدرت في جانفي/ كانون الثاني 2021 تحت عنوان ”استعادة السيطرة على القطب الشمالي“، وصف الجيش الأمريكي القطب الشمالي بأنه ”في نفس الآن مجال للتنافس، وخطاً للهجوم أثناء الصراع، ومنطقة حيوية تحمل الكثير من الثروات الطبيعية لوطننا، وأرضية لاستعراض القوة على المستوى العالمي“.
ويرافق ارتفاع درجة حرارة المحيط إلقاء ما يقارب 400 مليون طن سنوياً من المعادن الثقيلة والمذيبات والمواد السامة (بالإضافة إلى نفايات صناعية أخرى)، ناهيك عن النفايات المشعة. وتعتبر هذه النفايات الأخطر من نوعها لكنها تشكل جزءاً صغيراً من مجموع النفايات التي يتم إلقاؤها في المحيط، وتتضمن ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية. وقد أظهرت دراسة أنجزت سنة 2016 أنه بحلول سنة 2050، من المحتمل أن يصبح وزن البلاستيك الموجود في المحيط أثقل من وزن مجموع السمك. ويتراكم البلاستيك المطروح في المحيط على شكل دوامات دائرية من بينها رقعة القمامة العظمى في المحيط الهادي التي يقدر وزنها بـ 79 ألف طن من البلاستيك الذي يطفو داخل منطقة مركزة تبلغ مساحتها 1.6 مليون كلم مربع (تقريبا بحجم إيران).
وتعمل الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس على تفتيت هذا الحطام إلى”مواد بلاستيكية دقيقة“ لا يمكن تنظيفها، مما يحدث خللاً في السلاسل الغذائية ويدمر المواطن. كما يتسبب إلقاء النفايات الصناعية في المياه، بما في ذلك الأنهار وغيرها من أجسام المياه العذبة، في حدوث 1.4 مليون حالة وفاة على الأقل سنوياً متعلقة بأمراض يمكن الوقاية منها ناتجة عن تلوث مياه الشرب.
تعتبر النفايات المطروحة في المياه جزءاً صغيراً من النفايات التي ينتجها الإنسان، والتي تقدر بـ 2.01 مليار طن سنوياً. ولا يتم إعادة تحويل سوى 13.5 في المائة من هذه النفايات، بينما تحول فقط 5.5 في المائة منها إلى سماد ويتم التخلص من 81 في المائة منها في مكبات النفايات أو عبر حرقها (الشيء الذي ينتج الغازات المسببة للاحتباس الحراري وغازات سامة أخرى) أو عبر إلقائها في المحيط. وحسب معدل إنتاج النفايات الحالي، يرتقب أن ترتفع هذه الأرقام بـ 70 في المائة لتصل 3.4 مليار طن بحلول سنة 2050.
لا تظهر أية دراسة انخفاظاً في التلوث، بما في ذلك تحول النفايات أو تباطؤ في ارتفاع درجات الحرارة. وقد أظهر تقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (ديسمبر/ كانون الأول 2020) أن معدل الانبعاثات الحالي يجعل العالم على طريق ارتفاع درجة الحرارة ب 3.2 درجة C على الأقل فوق المستويات ما قبل الصناعية بحلول 2100. ويتجاوز هذا الرقم بكثير الحدود التي وضعتها اتفاقية باريس (ما بين 1.5 درجة و2.0 درجة C). ويغذي ارتفاع درجة حرارة الأرض وتدمير البيئة بعضهما البعض: بين عامي 2010 و2019، ساهم تدهور الأراضي وتحولها- بما في ذلك إزالة الغابات وفقدان كربون التربة في الأراضي المزروعة- بربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وقد زاد تغير المناخ من تفاقم التصحر وتعطيل دورات تغذية التربة.
ما هي المسؤوليات المشتركة والمتباينة؟
ينص المبدأ السابع لإعلان الأمم المتحدة المتعلق بالبيئة والتنمية الصادر سنة 1992، والذي اتفق عليه المجتمع الدولي، على ”المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة“ التي تحث جميع الدول على تحمل ”مسؤوليات مشتركة“ في نقص الانبعاثات لكنها تقر بكون الدول المتقدمة تتحمل مسؤوليات ”متباينة“ أكبر بحكم الحقيقة التاريخية المتمثلة في مساهمتهم الكبيرة في تراكم الانبعاثات العالمية التي تسبب التغير المناخي. وتبين معطيات مشروع الكربون العالمي، التابع لمركز تحليل معلومات ثاني أكسيد الكربون، بأن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل أكبر مصدر لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون منذ سنة 1750. كما تشكل الدول الصناعية والكولونيالية تاريخياً أكبر مصدر لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون، خصوصاً الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ القرن الثامن عشر، لم تصدر فقط هذه الدول الجزء الأكبر من الكربون في الغلاف الجوي، بل تواصل أيضاً تجاوز حصتهم من ميزانية الكربون على المستوى العالمي بالمقارنة مع عدد السكان. وتتحمل الدول الأقل مسؤولية في الكارثة المناخية، مثل الدول المشكلة من جزر صغرى، أعنف الضربات المتعلقة بالنتائج الكارثية لهذه الانبعاثات.
مكنت الطاقة الرخيصة المعتمدة على الفحم والمحروقات، بالإضافة إلى نهب واستنزاف الثروات الطبيعية من طرف القوى الاستعمارية، دول أوروبا وشمال أمريكا من تحقيق رفاهية سكانها على حساب الشعوب المستعمرة. وقد بلغ اليوم معدل اللامساواة بين مستوى عيش المواطن الأوروبي (747 مليون شخص) والهندي العادي (1.3 مليار شخص) مستوى صارخاً على غرار ما كان عليه الوضع منذ قرن من الزمن. وتعتمد الصين والهند والدول النامية الأخرى على الكربون- خصوصاً الفحم- بشكل كبير، رغم أن استعمال الصين والهند للكربون أقل بكثير مما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية. وتشكل إحصائيات انبعاثات الكربون بالنسبة لكل نسمة في استراليا (16.3 طن) والولايات المتحدة الأمريكية (16 طن) ضعف نظيره لدى الصين (7.1 طن) والهند (1.9 طن).
ويتوجب على كل بلد في العالم أن يحقق تقدماً في الانتقال من الاعتماد على الطاقة المستخرجة من الكربون وأن يضع حداً لتدمير البيئة الذي يقع على نطاق واسع، لكن يجب على الدول المتقدمة أن تحاسب على مهمتين مستعجلتين وأساسيتين:
- نقص الانبعاثات المضرة. يجب على الدول المتقدمة أن تحد من الانبعاثات بشكل مستعجل بحوالي 70 – 80 في المائة من مستويات سنة 1990 بحدود 2030 وأن تلتزم بخارطة طريق لتعميق هذه التخفيضات بحدود 2050.
- تقوية القدرة على التخفيف والتكيف. يجب على الدول المتقدمة أن تساعد الدول النامية عبر مدها بتكنولوجيا مصادر الطاقة المتجددة وتزويدها بالتمويل من أجل التخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخي. وتعترف اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ، الصادرة سنة 1992، بأهمية التقسيم الجغرافي للرأسمالية الصناعية بين دول الشمال والجنوب وأثرها على الحصص المقابلة لها من ميزانية الكربون على المستوى العالمي.
لذلك، اتفقت جميع الدول، بعد مؤتمرات المناخ المتعددة، على إحداث الصندوق الأخضر للمناخ بمؤتمر كانكون لسنة 2016. ويهدف إلى توفير 100 مليار دولار سنويا بحدود 2020. وقد التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بمجيء إدارة بايدن الجديدة بمضاعفة مساهمتها المالية العالمية بحلول 2024 والرفع من قيمة مساهماتها من أجل التكيف بثلاثة أضعاف. لكن يبدو هذا الوعد بعيد المنال نظراً للمستوى المنخفض الذي تمشي عليه. وقد اقترحت الوكالة الدولية للطاقة في توقعات الطاقة في العالم أن ترفع أرقام التمويل الدولي للمناخ سنوياً لتبلغ مليارات الدولارات. ولم تقدم الدول المتقدمة أية التزامات بخصوص هذا المستوى من التمويل.
ما العمل؟
- المضي نحو صفر انبعاثات كربون. يجب على دول العالم بقيادة مجموعة العشرين (التي تنتج 78 في المائة من انبعاثات الكربون في العالم) أن تضع خططاً واقعية للانتقال إلى معدل 0 من انبعاثات الكربون. ويتطلب هذا الأمر بشكل عملي 0 من انبعاثات الكربون بحلول 2050.
- خفض التواجد العسكري الأمريكي. يشكل الجيش الأمريكي لوحده أكبر مؤسسة منتجة لغازات الاحتباس الحراري. وسيمكن خفض التواجد العسكري الأمريكي من المشاكل السياسية والبيئية بشكل كبير.
- تقديم تعويضات بخصوص المناخ للدول النامية. يجب السهر على أن تدفع الدول المتقدمة تعويضات للخسائر والأضرار التي سببتها انبعاثاتها للمناخ. وأن يطلب من الدول التي لوثت المياه والتربة والهواء والنفايات السامة والخطيرة، بما فيها النفايات النووية، تحمل مصاريف التنظيف وأن توقف إنتاج واستعمال النفايات السامة.
- تزويد الدول النامية بالتمويل والتكنولوجيا اللازمة للتخفيف والتكيف. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول المتقدمة أن تدفع 100 مليار دولار سنوياً من أجل سد حاجيات الدول النامية من أجل التخفيف والصمود في وجه الأثر الكارثي لتغير المناخ. وتجدر الإشارة إلى كون الدول النامية حالياً (خصوصاً ذات المستوى المنخفض والجزر الصغيرة) هي التي تتحمل وزر هذه الآثار. ويجب كذلك توفير التكنولوجيا للدول النامية من أجل التخفيف والتكيف.