“عدونا هو الإمبريالية وليس الفن التجريدي” هكذا عبر الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. الإمبريالية هي النسخة الثالثة في سلسلة من أربعة معارض ملصقات مناهضة للإمبريالية تم إطلاقها في سياق الأسبوع النضالي الذي يقام في الفترة من 5 إلى 10 أكتوبر 2020. وهي تجمع أعمالا لثلاثة وستين فنانا ومناضلا ينتمون لستة وعشرين دولة, يعملون على تجسيد و إبداع صور تعبر عن النضالات ضد الإمبريالية تحت عنوان: النضال ضد الفاشية الجديدة والاعتداءات العسكرية, ومن أجل السيادة الوطنية وحماية الشعوب والأرض.
دعونا نضع في اعتبارنا دائما حينما نجتمع أينما كنا في جميع أنحاء العالم واقفين في وجه كل مظاهر الإمبريالية, أن نستلهم هذه الملصقات الجريئة, التي تصور وجه عدونا وإرادة الشعب للمقاومة. من المفترض أن يتم مشاركة هذه الملصقات على وسائل التواصل الاجتماعي, وطباعتها ولصقها في الشوارع, واستخدامها في ورش العمل والمناقشات, باعتبارها إحدى أنوية نضالنا ضد الإمبريالية. يمكنك تحميلهم من هنا (link).
الأرض والخرائط
ترتكز الإمبريالية على التحكم في الكوكب – وبشكل متزايد في الفضاء الخارجي أيضًا – وجميع موارده, في مقابل هذا تحاول جعل الوصول لهذه الموارد منوطا بدائرة ضيقة من المستفيدين, كما أن رؤيتها تتمحور حول تقسيم العالم وحيازة الأراضي و امتلاك كل ما يمكن أن يستغل لا سواء على وجه البسيطة أو في باطن الأرض, مما يجعل مصير أمم بأكملها خاضعا لقلة, و هذه القلة تحدد منحى و مسار شعوب بأكملها. تعبر الملصقات في هذه الجولة عن كل هذه الأفكار في مجموعة متنوعة من الأشكال الفنية, من القطع الخشبية إلى الرسوم التوضيحية للكتاب الهزلي, ومن الصورة المجمعة إلى الصورة المرسومة باليد, ومن التشويه الرقمي المتعمد للصور إلى الاستخدام الجريء للطباعة. تعتبر الخرائط عنصرا مهما, لأن الإمبريالية لطالما كانت تتمحور حول إعادة تقسيم الأراضي، كما أن استخراج و استغلال الموارد هو موضوع متكرر و مركزي في سياساتها. إن المكانة المكانية مهمة أيضًا – الدول الغنية على رأسها , الشمال العالمي ؛ الدول المستغلة أدناه, الجنوب العالمي. في أحد الملصقات, العالم الثالث هو حرفيا تحت الأرض. من ناحية أخرى, فإن الإمبريالية هي كائن وحشي متعدد التسليح تمتد مجساته في جميع أنحاء الأرض والبحر والفضاء. تصور العديد من الملصقات العبودية الهيكلية حيث ينتج عن ثروة القلة فقر الكثيرين, و في إحداها, يتجسد كيف يتم تمرير قارة بأكملها عبر آلة تمزيق الورق لإنتاج دولارات, وفي أخرى, تكون الكرة الأرضية قطعة من الكعكة, يتم تقسيمها من أجل أن تكون سهلة الاستهلاك للأغنياء. إن عذاب المظلومين هو ما يعطي هذه الملصقات شحنتها العاطفية – كما يظهر في الصورة المتحركة للصراخ الذي يجهد لتمزيق سجن الجغرافيا.
الضغط و الحرب الثقافية
لطالما كانت الإمبريالية منذ نشأتها مرادفا للضغط و التركيع, فإن لم تجدي هذه الطريقة, مرت إلى التدمير الممنهج, و لعل تجليات هذه الممارسات كانت لها تمظهرات في شتى مناحي الحياة, بدءا من اقتصادات الدول المغتصبة, و التي حالما يصبح استعمارها أمرا واقعا, و يتم بسط نفوذ المحتل, تستباح أراضيها و تفتح في وجه الأسواق الإمبريالية المستعمرة التي تحاول خلق متنفس اقتصادي لبضائعها و في الآن نفسه مصدر للموارد الأولية, هذه الممارسات التي تعتبر ضربا لكل القيم الأخلاقية و لحق الشعوب المقهورة في تقرير مصيرها, كما تمثل إحدى أعلى درجات النفوذ الإمبريالي و فرض التبعية الإقتصادية, و يظل الهدف الأساسي من هذه السيطرة الإمبريالية هو تغليف التفوق بالتبعية الكاملة مع الاستحواذ على خطوط الإتصالات و المعابر البحرية المهمة لأسباب أمنية مع نهب للثروات و انتهاك للسيادة الوطنية على الأرض, تدخلات حولت دولا إلى أنقاض بعد أن تم استنزافها اقتصاديا, و هذا ما تم تمثيله بطريقة رائعة في ملصق لChoo Chon Kai (ماليزيا) و الذي جسد الإمبريالية في شخص يقسم كعكة الأراضي, كما تتجلى مظاهر الإستغلال في العمل الفني لUn Mundo Feliz و الذي يمثل الإنسان سجينا للسوق. بالرغم من كل هذه الكوارث التي تسلطها و سلطتها الأنظمة الإمبريالية على معظم شعوب العالم فإنها لازالت تبتكر طرقا جديدة من أجل تطويع الدول لصالحها بحيث تلجأ في معضم الأوقات إلى اتباع سياسة الحصار و العقوبات في سبيل تدمير الدول التي لم تستطع تدجينها من خلال الإستعمار المباشر.
بالإضافة إلى كل ما تقوم به الأنظمة الإمبريالية من تدمير لاقتصاد الدول في سبيل خدمة القلة المسيطرة, فإنها تولي نفس الإهتمام و أكثر من أجل إخراج أجيال بلا هوية, و تتصف بالخنوع و الاستسلام لآلهة الرأسمالية الإمبريالية من خلال التدخل في المجالات المعرفية و الثقافية و المعتقدات و التقاليد و تدمير كل ما يتعارض و مصالحها, في المقابل تزرع مفاهيم جديدة ستمكنها من السيطرة لأطول مدة ممكنة على عقول الشعوب المضطهدة المغلوبة على حالها, و يتجلى ذلك في زعزعة الاستقرار في دول “العالم الثالث” و القضاء على الهوية الوطنية و القومية و اجتثاث النسيج الاجتماعي و الثقافي للبلدان المحاصرة أو المستعمرة, تحت مبرر أن هذه الشعوب يجب أن تبقى تحت وصاية و رعاية الأنظمة الإمبريالية, و لأنها لازالت في طور الطفولة و لم تصل إلى سن الرشد, لذلك لا يحق لها تقرير مصيرها, و تبقى كل هذه المحاولات من أجل التدمير الهوياتي و الثقافي للشعوب مرادها فتح فروع و أسواق للشركات التجارية العالمية و نشر الثقافة الاستهلاكية و توفير يد عاملة بخسة, نظرا لارتفاع نسبة العرض التجاري بالدول الصناعية بالتوازي مع انخفاض الطلب أمام المنتجات لديها, مما دفعها إلى البحث عن مناطق و أسواق للهيمنة و الاستبداد عليها, و لعل التعبير الذي مثله ملصق Kimberly Villafuerte Barzola و الذي يحمل أيضا جملة توصف الوضع القائم المراد تغييره, خير دليل على مدى الاستبداد و التدمير الذي تمارسه الامبريالية على الشعوب المقاومة.
النسور والحمام
خلال الدعوات المفتوحة لملصقات الأسبوع العالمي للنضال ضد الإمبريالية تلقينا العديد من الملصقات تحمل رسوما لنسور و حمام. من خلالها يمكننا أن نرى تجلي الإمبريالية و تجسدها في صيغة نسر, وليس أي نسر و لكن نسر ذو رأس أبيض على وجه التحديد, نسر أصلع. و هذا ما تمظهر في عمل فرانسيسكو دانيال أ.موريرا, بحيث أنه بجانب علم الولايات المتحدة, يبرز نسر كتعبير على ما تفعله الإمبريالية لجميع دول العالم, وكيف يتم بناؤها من خلال تدهور البيئة والشركات والمجمعات العسكرية الصناعية والموت والحرب والدمار, كما نشهد في ملصقات بيدرو رانجيل وأليكس ألدريتش باريت وخورخي لويس رودريغيز أغيلار صورة لحمامة تجسيدا للسلام, لكن أحيانًا يكون هذا النوع من السلام هو نفسه الذي يوفره العدو الذي يجلب الحرب, وليس السلام الذي تحتاجه الشعوب.
إن رؤية كل هذا معًا يُظهر لنا باستمرار أن الإمبريالية تستخدم العديد من الوجوه والعديد من الأدوار, وتتخذ جوانب مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم.
التحدي هو أن نضع كلا من حياتنا و فننا باعتباره أداة للنضال ضد الإمبريالية. ما نراه في الملصقات هو تعبير عن مقاومة الشعوب, و كيف أن هذه الشعوب دائما تكون في صراع متواصل ضد الإمبريالية.
حان وقت الشعوب.
حان الوقت لكي تصدح أصواتنا عاليا.
صعود الجناح اليميني
رداً على الانتقادات الموجهة للانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة ضد إيفو موراليس في بوليفيا, أعلن إيلون ماسك, مالك عملاق الصناعة Tesla, “سننقلب ونزيح كل من نريد! يجب أن تتصالحوا مع ذلك”, و يعتبر هذا الخطاب جزءا لا يتجزأ من توجه و مضمون الهجوم اليميني الدولي في وقتنا الحالي. إن الشعوب و سعياً منها وراء تحسين ظروفها المعيشية و الرقي بالوضع الاقتصادي, تبدي ديموقراطيتها اهتماما كبيرا بعلاج العنف الموجه نحوها انطلاقا من ازدرائها وضحدها للممارسات التي تتأتى من وراء هذه الأفعال و التجليات, و هذا ما استحضر في ملصق إيفان برانان المعنون ب”الوحش يتكلم”.
برز جناح سياسي يميني بقيادة الولايات المتحدة ووصل إلى مرحلة جديدة في تعزيز هجومه الإمبريالي, في حين أن هذا الجناح وجد له موطأ قدم و تطور منذ المأساة التي أطلقتها الفاشية من أوروبا خلال الثلاثينيات. و على حد تعبير كارل ماركس, فإن هذه اللحظة التاريخية تظهر كمهزلة لا روح دعابة. و هذا ما تجلى في ملصق “الإمبريالية هي أعلى مستوى في لعبة الوحشية” لأديب حمدان و “النفط هو البطاقة الإمبريالية الرابحة” لعبد السلام ساد, إن شركات الطاقة الكبرى و احتكارات التكنولوجيا و عمالقة التسويق لديها الآن دمى مروعة ومضحكة تحركها من أجل مواجهة أي مقاومة, و الحفاظ على سرقتهم.
على الرغم من البروز الكاريكاتوري للمصالح التجارية الكبيرة المسعورة, و تمثيلنا المتكرر لدونالد ترامب كتعبير عن حاملي هذا المشروع التدميري، فذلك لا يعني بأنه الوحيد صاحب هذه الميول, فهناك مجموعة من الأوراق المميتة لليمين الدولي من أمثال البرازيلي جاير بولسونارو والفلبيني رودريغو دوتيرتي, و هذا ما ظهر بارزا في فيلم أنكي جلادنيك تحت عنوان “الفاشية في الولايات المتحدة تدعم الفاشية في الفلبين”, و الذي حمل كعنوان أساسي له بأن “بالنسبة لهؤلاء “الرجال الكبار”, فإن العنف هو الترياق لجميع المشاكل الاجتماعية”.
لقد تسبب اليمين الجديد في ارتفاع السخط الشعبي واندفع بشكل انتهازي لانتقاد الأزمة الاقتصادية, لكن في نفس الوقت و بدلا من تحديد مصدر الظلم وعدم المساواة في الهيمنة المستمرة لرأس المال المالي على الجماهير العاملة, فإنه يقوم باستحضار أعداءً زائفين من أجل إبعاد الاهتمام عن المشاكل الحقيقية. إنهم يلومون المهاجرين واللاجئين وفقراء الحضر والريف والنساء والمثليين والأقليات الدينية, لهذا إذا لم ننتظم لمحاربة الكراهية التي ينشرونها قولاً وفعلا, فإنهم سيحتفظون بالازدهار الاقتصادي للقلة, بكل وسائل السخرية والقمع.
القنابل
استخدمت القوى الإمبريالية القنابل على نار العقود الماضية في سبيل تدمير حياة و سبل عيش الشعوب التي رفعت راية النضال و المقاومة في وجههم. لقد تركت الإمبريالية الأمريكية بصمات و ندوب لا تمحى في البلدان التي قصفتها, بدءا من القنابل الذرية التي قطعت أوصال اليابان, مرورا بأطنان النابالم التي ألقيت في فيتنام, و صولا إلى القصف القائم حاليا الطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط. لا عجب أن العديد من الفنانين الذين ساهموا بأعمالهم الفنية في أسبوع العمل المناهض للإمبريالية قد استخدموا صور القنابل لتجسيد و التدليل على الإرهاب و الدمار الإمبريالي.
في الملصق الذي أبدعه بيدرو رانجل, تبرز الإمبريالية الأمريكية من خلال النسر الأصلع و الذي يمثل الطائر القومي للولايات المتحدة, و هو متراكبا على قنبلة متساقطة, و ما تجلي صورة البرق في الخلفية إلا تعبير عن التدمير الفوري الناجم عن هذه القنابل. بينما في ملصق مشعل مشعل فقد استحضرت صورة طائر لكن بصيغة مختلفة, إذ يبدو جليا تعيين قنبلة من أجل تدمير عش حمامة, لكن مقاتلا شديدا امتطي ظهر الحمامة منقذا إياها و متقدما نحو النصر, و بهذا يحاول الملصق استحضار الأمل المنبعث من أحلك الأوقات و التي يطبعها الدمار و الهلاك. أما بالنسبة لملصق روبيل بوليتيك, فقد تم تصوير الجنود و الطائرات الحربية و الوكالة الأمريكية التنمية الدولية بكل عتادهم في مواجه النساء اللاتي آثرن المقاومة كتمثيل للبلدان التي واجهت ولازالت تواجه وطأة الإمبريالية عبر التاريخ.
العمل اليدوي
ما هي الأداة الأكثر مباشرة من اليدين؟ يربطون كفاحنا ومشاعرنا بالخطوط العريضة والظلال والأشكال. هذه السلسلة الثالثة من معرض الملصقات المناهضة للإمبريالية مليئة بالخطوط الشجاعة التي تصف معيشة الفنانين والمناضلين في أراضيهم التي لازالت أعين الإمبريالية شاخصة عليها. تبدع العديد من الأيادي بصمات لأفرادها مع أقلام الرصاص والأكريليك والألوان المائية, ولكن بهدف مختلف تمامًا عن هدف “الرسم العالي”. لم تكن هذه الدعوة لبيع لوحات الدهانات الزيتية أو تعليقها في منازل البرجوازية, كأشياء فريدة أو ممتلكات تجارية. العمل الفني في هذا المعرض معد للمشاركة مع الناس, و لملء الشوارع وشبكات الفن الذي يخرج من قلوب وأرواح الطبقة العاملة.
في ملصق إيان غامبل (الولايات المتحدة الأمريكية), نرى الإمبريالية تتحول إلى وحش بألف يد مستخدمة المال للفساد, والصليب للتهدئة, والبندقية للتدمير, كما نرى أيضا هذا الارتباط بين اليد والقلب ممثلا من خلال الفن الرقمي, والذي يحول الرسم إلى لغة الكمبيوتر المكونة من الآحاد والأصفار. بالإضافة إلى ذلك يبرز لنا ملصق فرانسيسكو دانيال أ. موريرا (البرازيل) أيضًا قوة أسلافنا من خلال صورة لرجل من السكان الأصليين يصوب القوس والسهم على نسر الإمبراطورية, و هذا أيضا ما ظهر في كتاب فابيولا سانشيز كيروز La vida contre el Imperialismo حيث يدافع الفلاح عن الحياة ضد قنابل الرعب المغلفة باسم “الحرية”.
نرى كيف يمكن أن تتكاثر يد الفنان في آلاف الأيادي من خلال صور الإنشاء. تشير بعض هذه الأيدي إلى إمبراطورية, والبعض الآخر يرفع العلم الأحمر, فيما يتشبت الباقي والبعض بقبضات النصر, هكذا أبدعت جودي سيدمان (جنوب إفريقيا) ملصقها الذي تعلمنا من خلاله جمال الشعور بالقوة في النضال الجماعي, كما تمزج بين الأدوات والتقنيات, وتخلق نهرًا من الخطوط التي تخلق وجوهًا مليئة بالكرامة والغضب تدعو للتصرف ردًا على النهب والاستغلال الإمبرياليين.
ولكن في كل هذه الأيدي المليئة بالأفكار, هناك أيضا خطوط عريضة للحنان والأمل, قادرة على لمس قلوب وعقول الناس – في مساحات من اللون الأرجواني والأحمر – بأفق مستقبل اشتراكي. لن تكون أيدينا ولا عقولنا مناطق غزو.
“أفضل فنا قديما يشارك بفعالية
في خلق إنسان جديد,
على فن جديد لا يغير
وضع الإنسان القديم”.
ريكاردو كارباني
This text was prepared collectively by the curation team of the Anti-Imperialist Poster Exhibition:
Luciana Balbuena, Tricontinental: Institute for Social Research (Argentina)
Gabriela Barraza, Escuela José Carlos Mariátegui (Argentina)
Ibnou Ali Abdelouahad, Democratic Way (Morocco)
Tings Chak, Tricontinental: Institute for Social Research (China)
David Chung, The People’s Forum (USA)
Sudhanva Deshpande, LeftWord Books (India)
Ingrid Neves, Tricontinental: Institute for Social Research (Brazil)
Mikaela Nhondo Erskog, Socialist Revolutionary Workers Party (South Africa)
Nora García Nieves, Partido Comunista de España (Spain)
Zoe PC, International People’s Assembly and People’s Dispatch (USA)
Ambedkar Pindiga, Tricontinental: Institute for Social Research (India)